ما هي حقيقة وراثة الأنبياء ؟
على ضوء ما سلف آنفاً يتضح أنّ وراثة الأنبياء أعم من الوراثة المتعارفة ، فهي شاملة لوراثة العلم والنور والملك ، ومن هنا نجد الفخر ، الرازي يفسّر آية ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ ) (54) على أنّها أعمّ من وراثة النبوّة والمال حيث قال : ( ... الله تعالى جعل سبب الإرث فيمن يرث الموت على شرائط ، وليس كذلك النبوّة ؛ لأنّ الموت لا يكون سبباً لنبوة الولد فمن هذا الوجه يفترقان ، وذلك لا يمنع من أن يوصف بأنّه ورث النبوة لما قام به عند موته ، كما يرث الولد المال إذا قام به عند موته ) ، ثم ذكر وجوهاً عديدة لشمول الإرث للمال والنبوّة والمقامات الرسالية ، إلى أن قال : ( فبطل بما ذكرنا قول مَن زعم أنّه لم يرث إلاّ المال ) (55) .
فمن أبرز ما يورث في أُسرة التوحيد بين الأنبياء والمرسلين والأئمّة هو العلم ، ولا يخفى ما في العلم من فضل ومزية ، ولذا فإنّ الفخر الرازي في ذيل الآية المباركة : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالاَ الْحَمْدُ للهِِ الّذِي فَضّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ) (56) ، قال : ( في الآية دليل على علوّ مرتبة العلم ؛ لأنّهما أوتيا من الملك ما لم يؤت غيرهما ، ... إن تلك الفضيلة ليست إلاّ ذلك العلم ) (57) .
وبهذا يتبيّن أنّ الأنبياء والمرسلين والأئمّة وراثتهم نورية ، فضلاً عن الوراثة المتعارفة ، وأن أبرز شيء متوارث فيما بينهم هو العلم والنبوة والحكمة ، كما في قوله تعالى : ( ثُمّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) قال الثعلبي في مراثي المجالس في آية ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُد ) : ( يعني نبوّته وحكمته وملكه ) .
أهل البيت (عليهم السلام) ورثة الأنبياء
وحيث إنّ أهل البيت (عليهم السلام) من تلك الشجرة المباركة ، ومن أسرة التوحيد ، ومن تلك الأصلاب الشامخة والأرحام المطهّرة المصطفاة المجتباة المتمثّلة بالأنبياء والمرسلين ، وعلى رأسهم سيّدهم وأفضلهم نبيّنا محمد (صلّى الله عليه وآله) ، فهم (عليهم السلام) ورثة الأنبياء وممّن اصطفاهم واختارهم واجتباهم الله سبحانه وتعالى لسابق علمه بطاعتهم وحبّهم وفنائهم في ذات الله تعالى .
وإليك نموذجاً من الشواهد الروائية المؤكّدة لوراثة أهل البيت (عليهم السلام) للأنبياء :
1 ـ الإمام علي وذرّيته (عليهم السلام) وارثو رسول الله
ففي المناقب للخوارزمي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عند المؤاخاة أنّه قال : ( والذي بعثني بالحق ما أخّرتك إلاّ لنفسي فأنت عندي بمنزلة هارون من موسى ووارثي ، فقال : يا رسول الله ما أرث منك ؟ قال : ما ورثت الأنبياء ، قال : وما أورثت الأنبياء قبلك ؟ قال : كتاب الله وسنة نبيّهم ) (58) .
وفي ينابيع المودّة ، عن أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : ( يا علي أنت أخي ووارثي ووصيي ، محبّك محبّي ، ومبغضك مبغضي ، يا علي أنا وأنت أبوا هذه الأُمّة ، يا علي أنا وأنت والأئمّة من ولدك سادات في الدنيا وملوك في الآخرة ، مَن عرفنا فقد عرف الله عزّ وجلّ ، ومَن أنكرنا فقد أنكر الله عزّوجلّ ) (59) .
وعن أبي ذر (رضي الله عنه) أنّه قال :
( أيّها الناس مَن عرفني فقد عرفني ، ومَن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري ، أنا جندب بن جنادة الربذي ، إنّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض ، والله سميع عليم ، محمد الصفوة من نوح ، فالأوّل من إبراهيم ، والسلالة من إسماعيل ، والعترة الهادية من محمد ، إنّه شرف شريفهم ، واستحقوا الفضل في قوم هم فينا كالسماء المرفوعة وكالكعبة المستورة ، أو كالقبلة المنصوبة ، أو كالشمس الضاحية ، أو كالقمر الساري ، أو كالنجوم الهادية ، أو كالشجر الزيتونية أضاء زيتها ، وبورك زبدها ، ومحمد وارث علم آدم وما فضل به النبيون ، وعلي بن أبي طالب وصيّ محمد ، ووارث علمه ، أيّتها الأمة المتحيّرة بعد نبيها ! أما لو قدّمتم مَن قدّم الله ، وأخّرتم مَن أخّر الله ، وأقررتم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيكم لأكلتم من فوق رؤوسكم ، ومن تحت أقدامكم ، ولما عال ولي الله ، ولا طاش سهم من فرائض الله ، ولا اختلف اثنان في حكم الله ، إلاّ وجدتم على ذلك عندهم من كتاب الله وسنّة نبيّه ، فأمّا إذ فعلتم ما فعلتم ، فذوقوا وبال أمركم ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) (60) .